الفرار من القفص الذهبي
قصص سويسريين يعيشون في الخارجالفرار من القفص الذهبي
نيكلاوس مولّر
خطط وأعمالالإنطلاقة في بلد يحاول اللحاق بالركبسوازن ميسيخا (النص)، دانيالي ماتيولي (الصور)
نيكلاوس مولّر من برن إلى شانغهاي
نيكلاوس مولّر من برن إلى شانغهاي
بالنسبة لنيكلاوس مولّر، الصين هي المكان المناسب للعيش. وهو يُقيم الآن هناك للمرة الثالثة في غضون خمس سنوات. ومثل العديد من السويسريين الذين ينتمون لجيله، يبدو هذا الأخير شغوفا باستكشاف العالم، واستغلال هذه التجربة في بناء مستقبله.
ولكن ما يجعل تجربته أكثر لفتا للأنظار هو أنه في الواقع يسبح ضد التيار.
وقال مولّر متحدثا إلى swissinfo.ch: "الكثير من أصدقائي يريد التوجّه غربا، أما أنا فأردت العودة إلى الشرق. أنا مفتون بالصين. وعلى الرغم من أنني قد أمضيت أكثر من سنتيْن هناك، أشعر بالحاجة إلى تعميق فهمي لهذا البلد، ولمكانته في الإقتصاد العالمي".
يرتدي ثيابا أنيقة جدا، وقدم للمقابلة مصحوبا بمذكّرته الخاصة، يبدو مولّر من فئة الرجال الذي يأخذون الأشياء بعناية، ويعدوّن لها مسبقا. وبدأت أوّل تجربة له في الصين بعد حصوله على تدريب في إحدى شركات القانون الدولي ( CMS ) في عام 2011. وقد احتاج للعودة إلى زيورخ لاجتياز اختبار نقابة المحاماة في عام 2012، ولكن الصين ظلت معششة في مخيلته.
ويتذكّر مولر قائلا: "كنت مقتنعا بالفعل أنه عليّ أن أجد طريقة للعودة إلى الصين". وبالفعل بعد عودته إلى شانغهاي، منحته شركة CMS فرصة لبدء مشواره المهني كشريك بدوام كامل، وهو العمل الذي استمر فيه لمدة سنتيْن.
ولكن، لأنه من الصعب أن تستمرّ إلى ما لا نهاية في مكان بدأت فيه مشوارك كمتدرّب، انتقل مولّر من وظيفته تلك إلى أخرى في مصرف كريدي سويس في زيورخ. ولكن بعد عام فقط، وجد أن الصين تناديه من جديد، فالتحق ببرنامج الماجستير في معهد إدارة الأعمال الدولية في أوروبا والصين في عام 2015.
وأوضح مولّر المنحدر في الأصل من برن أنه "مهتم جدا بالمشروعات والريادة في الأعمال والابتكار. ونظرا للتطوّرات الأخيرة في الصين، أعتقد أن هذا البلد واحد من أكثر الأماكن إثارة يمكن أن يوجد فيها الإنسان"ز
وهذه الإثارة تشمل بالطبع الثقافة، والتاريخ، وكذلك اللغة، وعلى وجه التحديد لغة الماندرين.
ويقول هذا الشاب السويسري: "يبدو أن لكل حرف في هذه اللغة قصّة، وهذا يساعد على تذكّر كل تلك الأحرف، عبر محاولة فهم القصّة التي تختفي وراءه". ولقد اجتاز حتى اليوم، اختبار أربعة من أصل ستة مستويات، وهو يستعد الآن لاجتياز المستوى الخامس، الذي يتطلّب منه معرفة 2500 حرف.
سويسرا بلد جميل وغني وآمن ومريح، ولكن رغم ذلك فإن العديد من السويسريين يهربون منه، فالبعض منهم يجده مُملا، ويرى أن أجواءه خانقة. هنا تجدون قصص سبعة سويسريين قرروا تجربة حظهم في مناطق أخرى في شتى أنحاء العالم. هؤلاء الأشخاص، نساء كانوا أم رجالا، "فروا من القفص الذهبي"، أو على الأقل تخلوا عن البعض من أسباب الراحة والرفاه لخوض مغامرات جديدة واستكشاف آفاق أخرى.
معرض الصورباحث من برن إلى شانغهاي
(الصور: دانيالي ماتيولي)
شبكة الأمان الذهبية
شبكة الأمان الذهبية
لمولّر طموح واحد واضح – طموح ساعده على تجاوز فكرة – بغض النظر إن كانت حقيقة أم مجرّد وهم – سويسرا، "القفص الذهبي".
ويقول مولّر: "أستطيع أن أتفهّم شعور بعض الناس بأن قيودا مفروضة عليهم على نحو ما. ويقولون إنه من الصعب إجراء تغيير، مادامت قواعد السلوك المتوقّع واضحة ومعلومة. وقد يكون من الصعب الحياد أو الخروج عنها".
لكنه يعتقد في نفس الوقت، أن الشعب السويسري لابد ان يكون ممتنا لما يتمتّع به من استقرار سياسي واقتصادي في الداخل.
وبالنسبة إليه: "هذا الوضع يساعدنا (كسويسريين). نحن محظوظون لأننا نملك إمكانية خوض مغامرة في الخارج. وإذا لم ننجح في ذلك، نكون في وضع مريح، لأنه يُمكننا دائما العودة إلى سويسرا. وأنا على يقين تقريبا من العثور على وظيفة في غضون بضعة أشهر إذا ما عدت إلى البلد"، مضيفا بأن "الذهاب إلى بلد آخر يمكّن الإنسان من تخفيف الضغوط".
ربما يكون المصطلح الأفضل في هذه الحالة ليس "القفص الذهبي" بل "شبكة الأمان الذهبية" – وهو أمر ليس بالضرورة أن الجميع يتمتّع به. ويستشهد مولّر في هذا المجال بزميله الإسباني الذي اضطرّ إلى البقاء في الصين لأنه من الصعب عليه العثور على عمل في إسبانيا.
مُقارنة بين الصين وسويسرا
تمرّ الصين حاليا بمرحلة يزيد فيها الرخاء الإقتصادي وتتمتع بعلاقات وروابط أفضل مع البلدان الأخرى.
ويشير مولّر إلى أن "الشركات الصينية منتشرة في جميع أنحاء أوروبا، وفي العالم أجمع، ومع اتفاقية التجارة الحرّة الموقعة بين سويسرا والصين في عام 2014، أعتقد أنه ستكون هناك فرص مثيرة للإهتمام".
وعلى الرغم من أن سويسرا عادة ما تحتل مراتب متقدّمة دوليا في مجال الإبتكار، فإن مولّر يُشيد بروح المبادرة التي تميّز الصينيين كذلك.
وأوضح هذا المهاجر السويسري إلى بلاد التنين كيف أن "الإبتكار مسألة يصعب تحديدها. يُتداول في وسائل الإعلام أن الصين بلد مقلّد، ولكن عندما ترى ما يحدث هناك، تجد أن الصين قد أصبحت بلدا رائدا في بعض القطاعات مثل التجارة الإلكترونية، والتكنولوجيا الدقيقة. وإلى جانب ذلك، عندما تنظر إلى شركات التكنولوجيا في الولايات المتحدة، عادة ما يكون لها ما يعادلها في الصين". مولّر مقتنع جدا بما يقول، ويضرب أمثلة على ذلك من قبيل "على بابا" مقابل تاوباو، و"تانسينت" مقابل "وي شات"، و"دي دي كوايدي" مقابل "إي باي"، و"واتساب" و"أوبر".
إنه معجب أيضا بالحلول التقنية المتاحة للشركات الصغرى، مثل تطبيقات الدفع بواسطة الهاتف المحمول والمستخدمة من طرف الجميع- وهو يشير إلى أن هذه التكنولوجيا كانت متوفّرة منذ سنوات، بيد أنها حديثة جدا في سويسرا. وربما لهذا علاقة متينة بروح التفاؤل والإنفتاح التي تميّز الصينيين والتي يخوض مولّر تجربتها.
يقول الشاب السويسري بلسان الواثق، العالم بخفايا ما يقول: "الصينيون يتعايشون بشكل جيّد مع أوضاع الغموض وعدم اليقين، في حين يرغب السويسري في الحصول على كل التفاصيل". و"نحن لا نشعر بالإرتياح إذا ظلت العديد من الأسئلة مفتوحة وبدون جواب"، يتذكّر مولّر كيف أنه ومن خلال المفاوضات بشأن عقد داخل مكتب المحاماة الذي كان يعمل فيه "بإمكانك تجربة الصدام بين الثقافات إلى حدّ ما. بالنسبة لي هذا يساعد إذا تخفّف الإنسان من ذلك قليلا".
مبادلات/ خيارات تفصيلية
وردّا عن سؤال، ما الذي لا يعجبك في علاقة بالصين؟ يتسلّح مولّر بالحذر خلال تقديم الإجابة: "العيش في بلد يفتقر إلى حرية التعبير". يقول ذلك وهو كما لو أنه يحرص على عدم المجازفة بالإساءة إلى مضيّفيه.
وأردف يقول: "هناك، السكان بأعداد هائلة – وشوارع مكتظة، والمتروهات ممتلئة، ولكنني لستُ قلقا من ذلك، لأنها وقائع لا يُمكننا تغييرها". وهو يعتقد أن ممارسة نوع من الرقابة الذاتية، وشيء من الدبلوماسية من شأنه أن يُساعده على مواصلة تطوير أعماله في الصين.
أما المجال الذي يرى مولّر أنه بالإمكان تحقيق تحسينات فيه فهي السياسات البيئية. ففي كل صباح، يكون مُجبرا على الإطلاع على التطبيقات التي تقيّم درجة التلوّث.
"الطريق في كثير من الأحيان ونوعية الهواء يكونان سيئيْن. وفي بعض الأحيان بالكاد تستطيع أن ترى 100 متر أمامك. ومقارنة بالصيف، يكون الوضع أسوأ في الشتاء. ويحدث أحيانا أنه لا يمكنك متابعة أو القيام بأي أنشطة في الخارج بسبب النوعية السيئة للهواء، وفي بعض الأيام الأخرى، تختار بنفسك البقاء في المنزل وعدم الخروج"، يقول مولّر ذلك وهو لا شك يفتقد المشاهد الطبيعية الجميلة في سويسرا.
إنها نوع من المفارقة، يلاحظ مولّر.
الذي يقول: "عندما ترى التدهور الخطير للطبيعة، تجد أن هذا النمو الإقتصادي الكبير يقابله ثمن باهظ جدا. ولكن هناك أيضا إشارات إيجابية مثل الإستثمارات الكبيرة التي أطلقتها الصين في مجال الطاقة النظيفة، وتمسكها بالتزاماتها مؤخرا تجاه نتائج مؤتمر الامم المتحدة المعني بالتغيّر المناخي بباريس 2015".
كذلك عدم الرفق بالحيوان، مسألة أخرى تُزعج مولّر في الصين. وفي الوقت الذي يحيّي فيه الإقبال على استهلاك كل أجزاء الحيوان - فكّر في سلاطة أذن الخنزير أو أرجل الدجاج المقلية - فإنه غير راض على الطريقة التي تُعامل بها الحيوانات في الصين.
وخصوصا الطريقة التي يتم بها إعداد هذه الحيوانات، والطريقة التي يحتفظ فيها بهذه الكائنات: "هناك بالتأكيد أشياء لا يمكن استساغتها"، وهو يشير بذلك مثلا إلى الحيوانات المحشورة في أقفاص ضيّقة.
وأما ما يحبّذ أكله فهو الزلابية على وجه الخصوص، ويقول: "الآن بدأت أصنع البعض منها بنفسي، فعلا!".
المستقبل .. أبيض مشرق
لما كانت شانغهاي مدينة عالمية، لم يعش مولّر صدمة ثقافية حقا – رغم ذلك كان من الصعب عليه العثور على حذاء بقياس 45 هناك. لكنه يتذكّر في المقابل كيف أنه وخلال عملية تسوّق عثر على شيء لم يكن يتوقّع وجوده هنا – مستحضر طبي لترطيب البشرة.
يقول مولّر ضاحكا: "أعرف أنه بالنسبة للنساء في الصين، من المهم جدا التمتّع ببشرة بيضاء جدا، لذلك يستخدمن الكثير من المستحضرات لهذا الغرض. ولكن هناك كذلك مجموعة متنوعة من هذه المستحضرات تكون خاصة بالرجال. لكن، لا أحد أخبرني بذلك، رغم أن هذا أمر مهمّ جدا بالنسبة إليهم، والمرء المثالي يكون أزرق العينيْن وبشرته طبيعية.
بمستحضرات خاصة أو من دونها، يبدو المستقبل مشرقا في الآن نفسه بالنسبة لمولّر وللصينيين. "هم متفائلون. ويعلمون أن هذا عصرهم – و"أن لديهم مستقبلا اقتصاديا مشرقا"، على حد قول مولّر متحمّسا بسبب النمو السريع المسجّل في بلد التنين – وفي شانغهاي على وجه الخصوص-” إنه أمر لا يصدّق أن تكون هنا، ولا تعيش هذه التجربة الفريدة من نوعها".
ولكن بماذا تُوصي السويسريين للتكيف مع هذا الواقع؟
"إذا كنت تريد أن تعيش في الصين، يجب أن تكون على استعداد للغوص في الثقافة. ولهذا من المهمّ جدا محاولة فهم الحضارة الصينية وتاريخها، وأن تحاول تعلّم اللغة".
ولكنه يقرّ بأن شانغهاي هي مدينة دولية إلى حد بعيد، وذلك على النقيض تماما مع بعض الأماكن الأخرى التي زارها في الريف الصيني.
كما أن "شانغهاي هي بمثابة الفقاعة إلى حد ما. لم تعد تمثّل الصين بالنسبة لي، إنها على العكس من ذلك هي وعاء لذوبان الثقافات واختلاطها مع بعضها البعض"، كما يقول.
الآن من المنتظر أن يتخرّج مولّر من برنامج الماجستير في إدارة الأعمال في عام 2017. وبعد ذلك، لكل شخص أن يتخيّل ما الذي يمكن أن يحدث! فهو يحبّ الإطلاع، ومتحرّك، وله مجموعة من المهارات، التي يمكن أن تأخذه إلى أي مكان تقريبا.
الشقيقتان بلايتر
شقيقتان في إفريقياالفيل في الغرفةأناند شاندراسيخار (النص)، جورجينا غودوين (الصور)
الشقيقتان بلايتر عالم الفن الإفريقي
الشقيقتان بلايتر عالم الفن الإفريقي
وأوضحت دانييلا التي ولدت في لوغانو، قبل 52 عاما أنه "لم يعد بإمكانها العيش في سويسرا. لقد شعرت بالضيق وكأنها تحت رقابة مشددة". وتقيم هذه المواطنة السويسرية حاليا في جزيرة لامو، الواقعة في شمال كينيا.
ينحدر والدها من أقصى شمال كانتون تيتشينو، وبالتحديد من بلدة آيرولو، وأمها من بلدة بونتريزينا من كانتون غراوبوندن. غادرت هذه الفتاة في سن 19 منزلها وأسرتها المحببة لتتمتع بأشعة شمس سانت- تروبيز. وعلى الرغم من أنها قد نشأت في أسرة متماسكة، وتشتمل على ثلاث شقيقات وشقيق، فإن الرغبة في الهروب إلى عالم آخر فاقت قدرتها على المقاومة.
تقول دانييلا: "سويسرا بلد جميل جدا. ولكنني كنت بحاجة إلى شيء أكثر من الجمال. كنت أبحث عن التحديات، لأن الحياة في سويسرا كانت سهلة جدا بالنسبة للشباب".
وحتى سانت – تروبيز المعروفة ببريقها وجمالها لم تلبّ ما كانت تطمح إليه هذه الفتاة. بعد سبع سنوات قضتها على شاطئ الريفيرا الفرنسي، حيث عملت في محلّ أحد أصدقائها لبيع المنشآت المعمارية، بدأت تدغدغ مشاعرها الرغبة في السفر. وهكذا انتهت ما كانت مجرّد زيارة عند مصففة الشعر إلى تغيير جذري في مسار حياتها.
وأسرّت دانييلا في حديثها إلى swissinfo.ch قائلة: "حلمت دائما بفيل في حديقة منزلي بدلا من رؤية الكلب. وعندما شاهدت هذه الصورة، أذكت في داخلي هذا الحلم. كنت مُتعبة في سانت- تروبيز، وعلى استعداد لتغيير مجرى حياتي".
وبعد أن أجرت بعض الأبحاث، اكتشفت أن هذه الصورة قد التقطت في مخيم لإعادة تأهيل الفيلة في بوتسوانا. فبادرت بكتابة رسالة إلى مالك المخيم الذي جاء ردّه عام بعد ذلك يدعوها فيها للإلتحاق والعمل في هذا المركز. هكذا بدأت مرحلة جديدة في مسار حياة هذه المهاجرة السويسرية.
وأوضحت قائلة: "كنا نسجّل أفلاما، وإعلانات تجارية، وننظّم سفريات لمشاهدة الفيلة. كان الهدف من المشروع إنقاذ الفيلة التي كانت تعاني من مشكلة ما، والتي توجد في حدائق حيوانات حول العالم، وإعادة إدماجها في الحياة البرية في إفريقيا".
شقيق وشقيقات، مسارات متشعّبة
بعد ذلك بسنوات، بدأت مارينا أولفر بلايتلر، هي الأخرى تحلم بالهروب من سويسرا. بيد أنها، وعلى خلاف شقيقتها، لم تكن أحلامها أحلام فتاة في سن المراهقة تبحث عن آفاق جديدة. فقد كانت تبلغ من العمر 34 عاما آنذاك، وتعمل في شركة برمجيات، وتعيش في رغد من العيش.
"استيقظت في صباح أحد الأيام، وقررت أن ما أنا بصدده ليس الشيء الذي أريد أن أنذر إليه بقية حياتي"، تقول هذه المرأة التي تبلغ حاليا السادسة والخمسين من العمر. "لقد شعرت أني مكبّلة، وأن سويسرا صغيرة جدا بالنسبة لي".
كانت مارينا ترغب في السفر عبر العالم. وخطّطت لكي تكون محطتها الأولى في افريقيا، للقاء شقيقتها، مع أمل مواصلة الرحلة.
"كنا متماثلتيْن، أنا وشقيقتي. كانت لديْنا نفس الميول"، تقول دانييلا.
مثّل قرار الشقيقتان بمغادرة سويسرا في اتجاه افريقيا صدمة في البداية بالنسبة للعائلة. ولكنهما تلقيا أيضا الكثير من الدعم. وعلقّت دانييلا في هذا الصدد قائلة: "لم أتسلّم من والديّ أي مبالغ مالية، لكنهما قالا لي إنهما سيظلان يحبانها، وسيحتفظان لها بغرفة في منزلهما، إذا ما قررت العودة يوما ما. هذا الشيء منحني القوة على المغادرة".
"ربما كانت أمّي ستفعل نفس الشيء، لو كانت تنتمي لجيلنا، تضيف مارينا. أما أبي فكان سويسريا حتى النخاع، لكنه كان يتفهّم رغبتنا في استكشاف العالم".
أما بقية الأشقاء، فلم تكن تستهويهم المغامرة. فشقيقهما الوحيد ذهب إلى اسبانيا، أما شقيقتهما الكبرى، فقد استقرّ بها المقام في لوغانو حيث تعيش سعيدة.
وتشير إليها دانييلا قائلة: "تعيش على بعد مسافة 200 متر من منزل أمّي. وهي متزوّجة، ولها ثلاثة أولاد وكلب. جميعهم لم يكن يرغب في مغادرة المنزل".
معرض الصورالتمتّع بالحياة إلى أقصى الحدود على الساحل الكيني
(الصور: جورجينا غودوين)
واقع إفريقي
واقع إفريقي
وبينما كانت دانييلا منشغلة جدا بعملها في رعاية الفيلة، عُرِض على مارينا تولّي إدارة المخيّم. شعرت مارينا أنه عليها ألا تضيع هذه الفرصة.
وتقول: "عدت إلى سويسرا لبيع منزلي، وسيارتي، وكل الأشياء الأخرى، ثم رجعت إلى بوتسوانا".
العمل في هذا المخيّم كان يشغل وقت الشقيقتيْن، لكن الإقامة في بوتسوانا لن تستمرّ إلى ما لا نهاية. وخلال رحلة استطلاعية إلى القاهرة للتحضير لنقل إثنيْن من الفيلة عن طريق البر، فوجئت مارينا بظواهر الفقر المدقع التي شاهدتها على طول الطريق.
"العدد الكبير من الفقراء الذي رأيته على جانب الطريق جعلني أدرك أني لا يمكن أن أبرّر جمع الكثير من المال من أجل الفيلة، في حين أن القارة تحتاج إلى أولويات أخرى"، تقول هذه السويسرية.
دانييلا هي الأخرى كانت قد عاشت نوعا من خيبة الأمل بعد سنوات قليلة من وصولها إلى القارة الإفريقية، عندما تمّ تكبيل فيل كانت تحبه كثيرا: "قلت عندئذ، لن أعود إلا عندما يُعاد هذا الفيل إلى أحضان الطبيعة. سنتان بعد ذلك، عدت لأجده حرا طليقا في الطبيعة. تابعت خطاه لمدّة ثلاثة أشهر للتأكّد من أنه بخير. ثم ذهبت إلى كينيا لبداية حياة جديدة".
البداية من جديد
وقعت دانييلا في شراك حب خبير في علم أحياء البحار من أصل بريطاني إلتقته في نيروبي. ولكن هذه التجربة ما كان من الممكن أن تتواصل. وتذكر دانييلا كيف أنه "كان رجلا رائعا. ولا يزال قلبي منكسرا إلى اليوم".
لتجاوز هذه الصدمة، قبلت بمهمة تتمثّل في تصوير الصيادين على جزيرة لامو، في كينيا. لقد أعجبت بالمنطقة وبمجموعة الصيادين.
وتشرح ذلك فتقول: "لامو، هي أجمل مكان على وجه الأرض. لا توجد فيها سيارات، ولا نوادي ليلية، أو كازينوهات. إنها لا تزال عذراء. هنا أنا أعيش تجربة حب على الدوام".
ولكن بالنسبة للصيادين المحليين، الحياة ليست وردية على الدوام. فالمنافسة مع سفن الصيد الكبيرة، والمياه الخطرة خلال موسم الأمطار يجعل من الصعب عليهم كسب لقمة العيش. أحد هؤلاء الصيادين، علي لامو، طلب من دانييلا دعما، فتساءلت كيف يمكن لها أن تلبي حاجته، ثم انتهت إلى فكرة خلاقة.
"كنت مفتونة ومعجبة بالمواد المستخدمة في أشرعة سفنهم خلال الإبحار. فرسمت قلبا كبيرا فوق تلك المواد، ثم ألحقت بذلك الرسم عبارة "الحب مرّة اخرى وإلى الأبد".
ثم طلبت إلى أحد أصدقائها بعرض ذلك الرسم في محله التجاري، وبيعت تلك القطعة في أقل من ساعة من بداية عرضها، بما قيمته 193 فرنك سويسري. وبمساعدة الصيادين، نجحت دانييلا في ابتكار العديد من القطع الأخرى. وبسرعة، دفعها هذا النجاح إلى إطلاق مشروع تجاري يقوم على ترويج هذه اللوحات الفنية، وحقائب مصنوعة يدويا انطلاقا من أشرعة سفن الصيد التي تخضع لإعادة ترميم.
أطلقت دانييلا على هذا المشروع التجاري "علي لامو"، هو اسم الصياد الذي طلب مساعدتها في البداية. اليوم، هذا المشروع يشغّل 30 شخصا بدوام كامل، من بينهم علي لامو نفسه، الذي يشغل خطّة رئيس المشروع.
هذا الآخر، انقلبت حياته رأسا على عقب منذ أن اقترب من المرأة السويسرية ليطلب مساعدتها. وقال هذا الرجل في حديث إلى swissinfo.ch: "لقد بنيت منزلا صغيرا لعائلتي، وأستطيع الآن أن أرسل أطفالي إلى المدرسة. عندما كنت صيادا، كنت أستأجر غرفة، وأتحمّل صعوبات كبيرة من أجل دفع الإيجار".
معرض الصورالطمأنينة والراحة في أحضان الطبيعة ومع الماساي في تنزانيا
(الصور: جورجينا غودوين)
الفن في تنزانيا
الفن في تنزانيا
تقول مارينا: "ما أحبه في هذا البلد، هو تنوّعه، بسلاسله الجبلية، وغاباته، ومساحاته المترامية. لقد كانت بوتسوانا جميلة جدا، ولكن مسطّحة بالكامل".
وقعت مارينا في حب بول أولفير، محارب قديم في إفريقيا، ويقضي وقته في إدارة مخيم سفاري خاص به قرب أروشا في شمال البلاد. لم تكن مارينا مقتنعة تماما بالعمل الذي يقوم به صديقها. وبالتزامن مع ذلك عرضت عليها إحدى صديقاتها الإشراف على إدارة منظمة غير حكومية يوجد مقرّها بميلانو.
تقول مارينا عن هذا المشروع الجديد: "لقد طلبت مني العمل لصالح مشروع يهدف إلى توفير دخل إلى نساء الماساي من خلال تسويق قلائدهن المكوّنة من الخرز. قبلت بهذه المهمّة بشرط أن يحقق المشروع لهن في يوم ما الإكتفاء الذاتي".
بعد عاميْن، أصبح هذا المشروع، شركة مستقلة تسمى "فنون نساء ماساي بتنزانيا"، وتتعاون معه 200 إمرأة. وتضع هاته النساء جانبا 10% من مداخيل المجموعة لأغراض العمل التنموي، مثل إصلاح الصناديق"، على حدّ قول مارينا.
"حوالي 99% منهن أميات، ويعشن في ظروف صعبة. لا أستطيع تغيير وضعهن جذريا، ولكن على الأقل الأموال المتأتية من عملهنّ الحرفي تعزّز ثقتهن في أنفسهن، واحترامهن لذواتهن".
إنهنّ يعشن حياة صعبة. هنّ مجبرات على جمع الحطب، وجلب الماء من بعيد لإعداد الطعام إلى العائلة، ثم لاحقا الاعتناء بالمواشي. ولا أحد يسألهن رأيهنّ فيما يخص حياة المجموعة، ويعانين في أغلب الاحوال من العنف الجسدي.
لقد استغرق الامر من مارينا سنة كاملة تمكنت بعدها من كسب ثقة هاته النسوة. وهي تأمل أن يأتي يوم تستطيع فيه نساء الماساي إدارة تجارتهن بمفردهنّ، ومن هناك الانخراط في مشروع آخر مستقبلي كمركز لتقديم العلاج للأطفال من ذوي الاحتياجات الخاصة.
تقول مارغريت غابريال، المسؤولة عن المبيعات حتى شهر نيسان 2016: "مارينا تمتلك شخصية متميّزة. هي تحب ما تفعله، وتتميّز بإندفاع كبير. وتغمر النساء السعادة عندما تصلهن طلبيات جديدة".
في سويسرا .. الكثير من القوانين
الواقع السويسري بعيد جدا عن الروح التي تصدر عنها الشقيقتان. ، على الرغم من أنهما يزوران بلدهما الأصلي مرةفي السنة.
"عندما أكون في سويسرا، أشعر كما لو أنني في فضاء لقضاء عطلة. كل شيء نظيف ومنظّم"، تعلّق دانييلا.
فهي تقضي عطلتها متمتعة بالأغذية السويسرية، والتجوال عبر المسارات الجبلية، والتسوّق إلى المراكز التجارية.
وتشير دانييلا إلى أنها "تشعر بأنها سواحلية أكثر من كونها سويسرية. أقدّر عاليا عندما يصل الناس في الوقت المحدّد، ولكن إذا لم يحضروا في الوقت، فالأمر ليس خطيرا (كما يتصوّر المرء في سويسرا)".
تبدو دانييلا مندمجة في المجتمع المحلّي بجزيرة لامو، وقد تبنّت أربعة أطفال على عين المكان تتراوح أعمارهم بين 3 و18 عاما. وقد اختارت لها إسما محليا هو خليلة.
وتعتقد دانييلا أن "جزيرة لامو الكينية مكان جميل وهادئ يطيب فيه العيش وبالتالي مناسب للصحة، وللقلب وللروح. أستيقظ في الصباح فأتجه للبحر للوقوف على ميلاد يوم جديد، وفي المساء ايضا. ولكن بإمكاني في نفس الوقت ركوب قطار، والذهاب إلى أماكن مزدحمة للتسوّق".
ورغم افتقادها للشكولاتة السويسرية، تؤكّد دانييلا، أنه لم يعد بإمكانها العيش في سويسرا، لأنها عندما تكون في بلدها الأصلي تشعر بالضيق".
وتوضح ذلك فتقول: "توجد في سويسرا الكثير من العلامات التي تقول لنا ما الذي يجب ان نفعله، وما الذي لا يجب ان نفعله. في لامو، نحن أحرار إلى أبعد الحدود، على الرغم من كل المخاطر التي تحيط بنا".
فحركة الشباب الصومالية تشكل خطرا مستمرا. وهذه المجموعة الإرهابية سبق أن شنّت العديد من الهجمات في منطقة قريبة من لامو. والصومال ليست بعيدة من هناك.
ويقول علي لامو، الشريك التجاري والصديق المقرّب من هذه المرأة السويسرية: "لم يحدث أن هاجمت حركة الشباب الجزر، ولكن نرى على الدوام قوات الأمن ترابط على الطرقات، والاماكن العامة والفنادق الكبيرة، منذ أن طفى على السطح هذا الخطر الإرهابي".
يبدو هذا الأخير منشغلا أيضا بالمسؤوليات التي وضعتها دانييلا على عاتقها، مثل تبنيها لأربعة أطفال محليين. ويقول علي لامو: "دنييلا تمتلك قلبا كبيرا، ولكن في بعض الاحيان تكون وحيدة وتحتاج إلى من يساعدها، مثلا عندما سقطت ابنتها بالتبني مريضة".
خيمة وفضاءات مفتوحة
حياة شقيقتها مارينا بعيدة كل البعد كذلك عن نمط الحياة في سويسرا. فهي تقيم في خيمة من الصنف المنغولي، في مزرعة يملكها صديق، حيث يوجد حصان، وكلبان، وحمار.
تقول مارينا: "سويسرا تصيبني بالضيق وانحباس الأنفاس. أحبّ المساحات المفتوحة هنا: الجبال، والغابات، والمساحات الشاسعة".
نادرا ما تنضبط أيام مارينا لجدول زمني محددّ مسبقا. والحياة بصفة عامة في تنزانيا تخفي مفاجآت بانتظام. ولكن يحلو لها القيام ببعض الأعمال عندما لا تكون الامور فوضوية إلى حد بعيد.
وتصف مارينا إيقاع حياتها اليومية على النحو التالي: "أبتدأ يومي برحلة على صهوة حصان، ثم أذهب لاحقا إلى المركز التجاري أو إلى المكتب في أروشا. أعود إلى المنزل في المساء، ثم أصطحب كلبي في جولة طويلة مشيا على الأقدام، أشاهد غروب الشمس، وفي بعض الأحيان أحتسي مشروبا، أو أتناول العشاء مع أصدقائي".
على عكس بوتسوانا، هنا لا توجد حيوانات متوحشة وخطيرة، مثل الأسود والفهود، ولكن بعض الحيوانات الصغيرة، مثل الضباع وابن آوى. وهكذا بإمكان مارينا أن تتفسّح مثلما يحلو لها. وبصرف النظر عن الحيوانات، في هذا المكان يعيش أيضا الماساي، حيث تنتشر بيوت القش في جميع هذه المنطقة. وفي نهاية الأسبوع، تعتلي دراجتها الهوائية وتذهب لملاقاة السكان لتحدّثهم عن الفرص المتاحة لتطوير أنشطتهم وأعمالهم التجارية.
مع ذلك، افريقيا ليست مجرّد بطاقة بريدية. والكثير من الناس يحسدونني لما يعلمون أنني أعيش في هذه المنطقة، ولكن الأمور قد تكون أيضا صعبة هنا. يمكن للأمور أن تتعطّل، وهناك الكثير من البيروقراطية ومن الفساد".
مارينا منفصلة عن زوجها، وهي تعيش وحيدة في أغلب الأحيان، وفي تواصل مع عدد قليل من الأصدقاء. مع ذلك، لا تتوقّع العودة قريبا إلى سويسرا.
وتقول: "سويسرا بمثابة الجزيرة الصغيرة، وهذا واضح في طريقة تفكير الناس هناك. تفكير لا يتجاوز حدود الكنفدرالية".
مع ذلك تعترف مارينا بأنها تفتقد إلى الثلوج والتزلّج، وإلى الإنضباط والنظام اللذان يميّزان النمط السويسري: "من الصعب جدا صناعة منتجات في ظروف العالم الثالث تكون موجهة إلى العالم الأوّل".
مستقبل هش؟
تشعر مارغريت غابريال بالقلق للمستقبل الذي ينتظر زميلتها مارينا. فهي ترى أنها تبذل أكثر من طاقتها، وأنها تفعل الكثير. كما أنها تبدو غير متفائلة بمستقبل المشروع الذي استثمرت فيه مارينا الكثير من الجهد.
وتقول غابريال: "عليها أن تفكّر في الجيل القادم، لأن بعض النساء بصدد التقدّم في العمر، وبات من الصعب عليهن إدخال الخيط في الخرز. ومن أجل ضمان مستقبل شركتها، عليها أن تتعاون الآن مع النساء الأصغر سنا".
وعلى الرغم من العبء الثقيل الذي يمثله العمل، والمسؤولية الملقاة على عاتقها من خلال تعاملها مع 200 امرأة من الماساي، لا تبدي مارينا أي ندم، وتقول: "أعيش أحلامي، ولدي كل ما أحتاج إليه، وليس لدي الكثير من المال. أنا حقا في سلام. وكان هذا هدفي في الحياة".
ولشقيقتها دانييلا بعض النصائح لمواطنيها السويسريين الذين يحلمون يوما في مغادرة سويسرا للعيش في مكان آخر: "يصفني أصدقائي بأني شجاعة، ولكن أنا لا أفهم لماذا. أرى أن من يظل في سويسرا لبقية حياته، هو أكثر شجاعة. اتبعوا ما تشير به عليكم قلوبكم، ولا تتركوا الخوف او القلق بشأن المال يستقرّ في أذهانكم. كل شيء ممكن إذا كانت لديكم قلوب مفتوحة".
سيلفيا بروغّر
عزيمة فولاذيةحكاية غير معدّة مسبقا عن متسابقة إديتارودفيليب مايير (النص)، ترانت غراس (الصور)
سيلفيا بروغّر مغامرات في ألاسكا
سيلفيا بروغّر مغامرات في ألاسكا
هذا هو تقرير مختصر عني. هذه هي المرة الأولى، التي أكتب فيها مثل هذا ولهذا لست متأكدة، من أين يجب عليَّ أن أبدأ.
هكذا بدأت سيلفيا بروغر نصاً طويلاً يشبه الخطاب عن قصة هجرتها. أما الإتصال بها فقد تم، كما هي العادة هذه الأيام: عبر الشبكة الإفتراضية، وفي هذه الحالة كان عبر الفايسبوك.
لقد كان من دواعي السرور أن قامت سيلفيا بالرد على دعوتي لها على الفايسبوك ـ فلقد لفتت إحدى زميلات الدراسة في مدرسة وسائل الإتصال بلوتسرن نظرها إلى تدوينتي. وبمنتهى العفوية قامت بما نسميه اليوم بكتابة "محتوى ينتجه المستخدم" (user generated content): لقد كتبت على الفور قصتها بنفسها. ولقد سمحت لنفسي فقط بأن أستفسر في بعض الأحيان وفي الختام عن بعض الأشياء بقليل من التفصيل.
ولدتُ في عام 1974 في مدينة شام بمقاطعة تسوغ، حيث نشأتُ فيها أيضا.
لديّ أربعة أشقاء ـ ماكس هو شقيقي التوأم، أما الثلاثة الآخرون فهم يكبرونني بأربعة وبثمانية أعوام (فأختاي هما أيضاً توأمتان).
لقد سافرت كطفلة ومراهقة كثيراً في أوروبا. فجدي وجدتي يعيشان في شمال ألمانيا، وكان لدى أسرتي بعض من الأحصنة الأيسلندية، والتي سافرت بها أنا واخوتي كل عام تقريباً للإشتراك في بطولات بالخارج.
بعد نهاية المرحلة الإعدادية التحقت بمدرسة وسائل الإتصال بلوتسرن. وفعلت هذا بغرض أن أتقدم بعدها للعمل في سويس إير. في البداية دفعني حب المغامرة. وبعد إقامتي في مدرسة لغات في بيرث، سافرت مع صديقة لي في طول أستراليا وعرضها. لقد كان عمرنا وقتها 18 عاماً فقط.
ثم كان الوقت قد حان لأن أركز على مستقبلي الوظيفي. فبعد دراسة تطبيقية تجارية في فندق "كارلتون إليت" بزيورخ التحقت بوظيفة موسمية في فندق بادروتس بالاس بسان موريتس.
ما الذي تعلمته في فندق بالاس بسان موريتس لحياتك؟
اتركني أفكر قليلاً. فكل شيء يبدو غائماً بعض الشيء ـ ربما لأنني كنت كل ليلة تقريباً أخرج واشرب الكثير من البيرة.
يمكنني القول أنني قد تعلمت في سويسرا بصفة عامة ما أفتقده هنا في أمريكا: الإنضباط الشخصي والمسؤولية. فكلاهما ضروري للنجاح في الحياة المهنية.
فعلى سبيل المثال، تدفعني صفقات الشكاوى في الولايات المتحدة للجنون. فأحدهم يشتري في ماكدونالدز قهوة ويحرق لسانه، ثم يتقدم بشكوى ضد عملاق الأطعمة السريعة ويحصل على تعويض قدرة مليون دولار؟؟؟؟ إنني لا أفهم هذا. مثلُ هذه المواقف أصبحت الآن عادية ـ لم يعد أحد يطالب بالمصلحة العامة.
خلال إحدى الرحلات إلى كندا (1997)، تعرفت على أسرة ويليس من مدينة أنكوراج، والتي لم تكن فقط تملك أحصنة أيسلندية وإنما أيضاً كلاب تزلج. وبعفوية قام بيرني وجانيت ويليس بدعوتي لقضاء عدة أسابيع في آلاسكا. وكانت هذه هي أول إقامة لي في آلاسكا.
وبعد موسم أخير قضيته في فندق بالاس، هاجرتُ في عام 1999 إلى آلاسكا وفي نفس العام تزوجتُ من آندي (الإبن الأكبر لبيرني وجانيت).
في عام 2001 قمت أنا وآندي بتأسيس فندقنا الصغير. فلقد اشترينا قطعة الأرض والمبنى من مزاد وقمنا لمدة عام كامل بتنظيفه وتهيئته وتنقيته وتجديده.
لم يكن ليخطر ببالي يوماً أن أحقق حلم طفولتي بأن يكون لي فندق صغير خاص بي لصيد الأسماك والحيوانات. لقد كانت حياتي مليئة بالمغامرات: لقد كنا نملك فندقنا الخاص، وكنا نصطاد الأسماك طوال الصيف، وفي الربيع والخريف كنا نصطاد الحيوانات، أما في الشتاء فكنا ندرب كلاب التزلج.
لقد كان آندي وأسرته منخرطين بشدة في سباق إيديتارود للتزلج باستخدام الكلاب والذي يحظى بشهرة عالمية. فكل الرجال كانوا يشاركون في السنوات المختلفة في السباق. وفي أعوام 2007 و2008 تجمّع لدينا فريق من الكلاب كان يعتبر جيداً إلى حد بعيد ـ وحينها جاء الدور عليّ كي أخوض سباق الكلاب ذي الألف ميل طولاً. لقد كنت أول امرأة سويسرية تشارك في سباق الإيديتارود.
معرض الصوربروغّر
(الصور: ترانت غراس)
ما الذي يبهرك في كلاب التزلج وفي سباقات التزلج باستخدام الكلاب؟
ما الذي يبهرك في كلاب التزلج وفي سباقات التزلج باستخدام الكلاب؟
لقد كنت أحب دائماً التعامل مع الحيوانات. فلقد نشأت في شقة، حيث كان يمكننا فقط الإحتفاظ بقطتين ـ أما كلبنا الأول (من نوع المسترد الذهبي) فلقد حصلنا عليه، حينما كنت في السادسة عشرة تقريباً، وحين انتقلنا للإقامة فى بيت.
وبالطبع لا يمكن مقارنة كلاب التزلج بالكلاب المنزلية ـ فتلك "كلاب عمل". لقد كانت تُربى عبر الأجيال كحيوانات جر وكانت تستخدم في الأعمال.
لقد كان بالطبع شيئاً جميلاً أن أخرج مع الكلاب للنزهة (30 أو 40 ميلا).
أنا إنسانة تحب الحركة وأحب التحديات. لهذا لم أكن أريد الإحتفاظ بكلاب التزلج فقط من أجل التسلية، بل سارعت بالمشاركة في مسابقات صغيرة (200 و300 ميل). ولهذا الغرض قمت بتجميع فريق من عشرين كلباً، قاموا لاحقاً بالاشتراك في سباق الإيديتارود. ولقد استغرقت الاستعدادات حوالي سبع سنين في المجمل. وقمت بنفسي بتربية الكلاب جميعاً وشاركت مع زوجي في تدريبها.
إن الخروج مع كلاب التزلج يشعرك بمشاعر كثيرة ومتضاربة! فهو مغامرة قد تكون في بعض الأحيان خطرة. وهناك الكثير مما قد يتعرض للفشل. فيمكن للمرء أن يضل طريقه في البرية بسرعة. كذلك يمكن أن تهاجم الأيائل العدوانية الكلاب وتصيبها أو قد تقتلها. وبالطبع هناك البرد كذلك: فدرجات الحرارة ما دون الثلاثين إلى الأربعين درجة مئوية تحت الصفر ليست بالشيء النادر. ومن نوفمبر إلى يناير يكون النهار قصيراً (10 ـ 15 ساعة). وهذا يزيد من متطلبات التدريب، حينما يتحتم على المرء أن يقوم بالتدريب من الثامنة صباحاً حتى السادسة مساءاً.
إلا أن العمل الشاق يصبح مجدياً! ففي الشتاء (فبراير ومارس) يطول النهار مرة أخرى، وفي الأعوام العادية يكون منسوب الثلج مثالياً ودرجات الحرارة لطيفة (ما بين عشرة إلى عشرين درجة مئوية تحت الصفر). وفي مثل هذه الظروف لا أتخيل شيئاً أكثر جمالاً من أن أخرج مع إثنى عشر كلباً من كلاب التزلج على أعلى درجة من التدريب في جولة. فعدا صوت أنفاس الكلاب يسود صمت مطبق. وتصيبني قشعريرة حقيقية. وحينما يكون المرء في المساء بالخارج، فكثيرا ما يمكنه مشاهدة الضوء القطبي والإنبهار به.
ثم بالطبع التحدي الشخصي بأن يشارك المرء في سباق، خاصة هذا السباق الأسطوري إديتارود! فألف ميل تعد مسافة كبيرة جداً. وبحسب الطقس وحالة الطريق يحتاج الفائز لتسعة أيام. فإنهاء السباق يعتبر الفوز الأكبر إزاء هذا العمل الشاق.
بالنسبة لي فإني أحتاج عشرة أيام لإجتياز الألف ميل. وستجد بيانات دقيقة في الموقع www.iditarod.com (وفي الأرشيف ستجدني تحت اسم سيلفيا ويليس ـ 2007 و 2008).
كان عام 2007 هو عام "الرووكي" بالنسبة لي (والرووكي هو الشخص الذي يشارك في سباق ما لأول مرة). وقد كان كل يوم يمثل مغامرة فالمرء كـ "رووكي" لا يعرف ما الذي ينتظره. لم يكن الطقس سيئاً بالدرجة، إلا أنه كان أحد أبرد الأعوام ـ فلقد كان الكثير من المشاركين (من الكلاب والبشر) يحاربون ضد مظاهر التجمد. وعند خط النهاية كان وجهي متورماً تماماً. كذلك أصبت بالتهاب سيء في يدي اليسرى وتحتم إجراء جراحة عاجلة لي عند إحدى نقاط التفتيش. فأحد الممرضين (وليس الأطباء) كان قد تبرع بوقته للسباق مجاناً، وكان لديه حقيبة إسعافات أولية.
لكن مع الوقت أصبح هذا الأسلوب في الحياة مرهقاً جداً لزواجنا، لذا فقد انفصلت أنا وأندي بعدها بوقت قصير. وانتقلت من "البرية" إلى المدينة، حيث أعيش حياة "متحضرة".
فلقد أسعدتني سباقات الكلاب كثيراً وأفتقدها. إلا أن الكلاب كانت أيضاً تتطلب الكثير. فلم يكن في إمكاننا القيام بعطلة، لإنه لابد من إطعام الكلاب يومياً. كذلك كان وقت التوقف عن التدريب في الصيف (حينما تشتد الحرارة) هو الموسم الأهم في فندقنا الصغير.
أنا الآن أعمل في شركة K&L Distributors كرئيسة لفريق مبيعات البيرة ولدي ستة موظفين.
ماذا تعملين على وجه الدقة؟
إن شركة K&L Distributors لديها توكيلات للمشروبات الكحولية في آلاسكا. وأنا مسؤولة عن بيع البيرة في حوالي ثمانين متجراً لبيع الكحوليات في مدن أنكوراج، وواسيلا وبالمر.
أظن أن هذه المعلومات أكثر بكثير مما تحتاج إليه، لكن ربما أعطتك فكرة عن قصتي نوعاً ما.
أي الأشياء السويسرية تفتقدين؟
أفتقد أشياء كثيرة. فالمواصلات العامة بالمقارنة بآلاسكا لا تضاهى. إذ أن آلاسكا شاسعة المساحة بحيث يستحيل تمويل مواصلات عامة بها. كذلك أفتقد طرق التجوال الكثيرة. فبالرغم من أن آلاسكا تمتلك الكثير من الطبيعة والجبال، إلا أن معظمها متباعد وخطير إلى حد كبير (حيوانات برية). وكسويسرية فأنا مدللة بالطبع فيما يتعلق بالشوكولاتة ـ لذا فإنني أملأ أمتعتي بها حينما أعود من سويسرا إلى بيتي في آلاسكا.
أقارن بصورة منتظمة بين آلاسكا وسويسرا وأتساءل أين أريد أن أقضي باقي حياتي. هل عليّ أن أنتقل عائدة إلى سويسرا، حتى أكون بالقرب من أسرتي؟ أين تكون الظروف الإقتصادية والرعاية الصحية أفضل؟ وهكذا.
إن الطريق لإجابة "صحيحة" طويل. فكلا من البلدين (الولايات المتحدة وسويسرا) لديهما جوانب إيجابية وسلبية وليس من السهل أن توازن بينهما.
فمن السهل عليّ في الولايات المتحدة تحقيق حريتي الشخصية وأحلامي. وحينما أكتب "الولايات المتحدة" فإنني أقصد آلاسكا. فلا يمكنني أن أتخيل الحياة في مدينة كبرى مثل نيويورك أو لوس آنجلوس أو شيكاغو. فآلاسكا يمكن مقارنتها بسويسرا ـ وأكثر ما يعجبني هو الجبال.
لدي إنطباع أن سويسرا منظمة جداً ـ فالدولة تضع لوائحاً أكثر من اللازم. كذلك فإن سويسرا صغيرة نسبياً من حيث المساحة وذات كثافة سكانية عالية ـ وعند زياراتي تكاد تصيبني حالات من رهاب الإنغلاق.
كيف تحافظين على علاقاتك بأصدقائك وأسرتك في سويسرا؟
لم تعد لدي علاقات تقريباً سوى عبر فايسبوك ـ لكنني استمتع بهذا جداً. إنه لشيء جميل أن تتعرف بهذه الطريقة عما يقوم زملاء دراستك السابقين اليوم بفعله. فبدون فايسبوك لم يكن ليكون لدي فكرة. وعن طريق تطبيق "Hangout" أحافظ على صلة منتظمة بإخوتي وبوالدنا، فكل شهرين تقريباً نتقابل في صبيحة يوم من أيام الآحاد أونلاين.
إنني أعيش منذ 17 عاماً في الولايات المتحدة ـ وبالرغم من أن أمريكا ليست مثالية، إلا أنني أستطيع أن أحقق أحلامي الشخصية هنا ببساطة أكثر. لا أعرف كيف أعبر عن نفسي بصورة أفضل ـ تنقصني الكلمات الصحيحة.
في سويسرا كانت حياتي مجدولة سلفاً: الذهاب إلى المدرسة، الإنتهاء من دراسة تطبيقية، إيجاد وظيفة، العمل بقية حياتي والإدخار من أجل الحصول على معاش التقاعد.
كذلك فإنني شديدة القلق حيال الوضع السياسي والإقتصادي في أوروبا أكثر من أمريكا. إلا أن العالم كله في حالة تغير. وكلنا سنتأثر بهذا، بغض النظر عن مكان سكننا. نحن في آلاسكا نعتمد على المصادر الطبيعية ونحارب في الوقت الراهن ضد العجز الحكومي الهائل الذي يبلغ عدة مليارات. فهذا يقلق الجميع، إذ أن المستقبل مجهول. كذلك فإنني قلقة حيال الوضع الأوروبي. لهذا أجد أنه من الجيد عدم انضمام سويسرا أبداً للإتحاد الأوربي، لإنها بهذا أصبحت في مأمن من التأثير الإقتصادي السلبي. وبرغم هذا فسويسرا تقع في وسط أوربا ومحاطة بدول من دول الإتحاد الاوربي ومتأثرة بها.
إنني لم أترك سويسرا لأنها لم تعجبني. لكن كان لدي الفرصة لتوسعة أفقي فقمت باستغلالها. إنني فخورة بمسقط رأسي، وأحب موطني وأسعد بالسفر إلى سويسرا للزيارة ـ ولكن في نهاية كل إقامة في سويسرا أفرح بالعودة إلى "بيتي"، إلى آلاسكا.
أسرة هوستيتلر
كريستين وهانس هوستيتلرمن أوبرلاند البرنوية إلى غابات الباراغواي المحميةمارتشيلا أغويلا (النص)، رودريغو مونوز (الصور)
أسرة هوستيتلر جنة الباراغواي
أسرة هوستيتلر جنة الباراغواي
"هل نريد العودة إلى سويسرا؟ لا طبعا!" تجيب كريستين من دون أي تردد. "هنا، نتمتّع بحرية وقدرة على الفعل أكثر مما هو متاح في سويسرا، شيء لم نكن نتخيّله أصلا".
حرية نجحا في استغلالها إلى أبعد الحدود: أسسا جمعية لحماية الطبيعة، ووضعا برنامجا للسياحة الصديقة للبيئة، وأنشأوا مشروعا للزراعة العضوية أطلقوا عليها "غونباخ الجديدة"، في إشارة إلى قريتهم الأصلية. هناك التقينا بهم، وتقاسمنا معهم الخبز والملح وذكريات راكماها طيلة 36 عاما كمواطنين من "سويسرا الخامسة". (السويسريون المقيمون في الخارج).
لقد حدّثونا عن حنينهم إلى الماضي، وعن الأسرة، والأصدقاء، وعن الثقافة السويسرية، وعن الدقة والنظام السويسري وعن كليشاي" المهارة والنظافة". ولكن هنا، على الأقل هما في بلدهما، هكذا يصران على القول. هذا الإنتماء إلى بلد هو ليس بلدهما الأصلي صنعه هانس بجهده وإصراره الشخصي خلال إقامته في ألتو فيرا، بإيتابوا، المتاخمة لمحمية الحديقة الوطنية بسان رافيال.
ارتباط خطير
هذا القرب من المحمية له دلالات كبيرة: فقصّة عائلة هوستيتلر ارتبطت بالدفاع عن المعقل الأخير للغابة الاطلسية في باراغوي، واحدة من أغنى النظم البيئية على كوكب الأرض، وفي نفس الوقت الاكثر عرضة لخطر التدمير.
وإذا ما تعلّق الأمر بالمخاطر، فإن كريستين لن تنسى أحد أيام الآحاد من عام 2008: "كانت هناك مقابلة لكرة القدم. وكنت وحدي في المنزل، وسمعت ضجيجا وأصواتا في الخارج. خرجت، فوجدت نفسي وجها لوجه مع شخص يخفي وجهه، ويصوّب نحوي مسدّسا من عيار 38 ميمترا". ولا تعلم كريستين إلى حدّ الآن هل هو الحظ ام تصويب المعتدي لسلاحه على وجه الخطأ هو الذي أنقذ حياتها، والمهمّ هو أن الرصاصة قد أخطأت هدفها. وعلى نفس الشاكلة، لم يصب هانس بأذى عندما أطلق مجهولون النار على طائرته بينما كان يحلّق فوق الغابات، للكشف عن الإستغلال غير القانوني للثروات الغابية، أو أي حرائق ممكنة.
وتقول مضيفتنا في نخوة وشعور بالإنتصار: "إنهم يظنون أنه بقتلنا، ستنتهي المعركة. هم يعرفون أننا أصبحنا كثيرين الآن".
البرودة في "أوبرلاند"
ولكن لنعد مرة أخرى إلى نقطة البداية في مغامرتهما، في نهاية السبعينات، في الأوبرلاند في برن. كانت حياة أسرة هوستيتلر تسير بسلام وعلى نحو عادي في بلدة "غونباخ"، التابعة لبلدية روشيغ. ولمّا علم الزوجان بأنه بالإمكان الحصول على مساحات من الأرض على الجانب الآخر من المحيط الاطلسي، فقال: "لنحاول".
بدعم من الأسرة، اشترى الزوجان 250 هكتارا في عالمهم الجديد، هو فعلا عالم جديد بالنسبة لهم، لكنهما يعتبرانه قديما رغم ذلك. وتقول كريستين مازحة: "كما لو كنا هنا منذ 50 عاما"، وهي تشير إلى قسوة البيئة التي نزلوا بها، حيث لا توجد أية بنية تحتية. في سويسرا كان البرد والرتابة، ولكن على الأقل، كانت هناك الرفاهية والأمن.
حلّت كريستين في هذا العالم الجديد، وبريجيت، ابنتها البكر لا تزال صغيرة بين ذراعيّها، في بداية شهر فبراير 1979. أما هانس، فقد هاجر قبلهما بستة أشهر لإعداد الأرضية، بالمعنى الحرفي للكلمة: كان على هذا البحار السابق تطهير المنطقة من الأشجار والأعشاب لبناء منزل خشبي لإيواء أسرته الصغيرة.
وهانس، الماهر في الأعمال اليدوية، عزّز أركان منزله على مرّ السنين، وتمكّن من التزوّد بالكهرباء من خلال بناء سد. أما المياه المحجوزة في هذا السد، فتحوّلت إلى موئل أحيائي. ولقد سمحت له مهارته وبراعته بالحفاظ على آلة الحصادة في الخدمة، ومن تجميع وتركيب قطع الطائرة الخفيفة التي وصلته عن طريق البريد.
معرض الصورهوستيتلر ومن برن .. سعي لإنقاذما تبقى من غابات الباراغواي
(الصور: رودريغو مونيوتس)
سنوات من النضال
سنوات من النضال
جبهة جديدةعملت كريستين وفريقها دون كلل من أجل تعزيز وجود هذه الجمعية، والتي تحظى اليوم بشبكة دولية هامة للدعم والإتصال. وتنفّذ برامج بحثية لرصد الإحتياطي الطبيعي، فضلا عن التعليم البيئي لرفع مستوى الوعي وتطوير الأنشطة المستدامة.جمعية بروك وزارا هي اليوم على الطريق الصحيح، وقد تخلّت كريستين عن وظيفة المدير فيها في فبراير الماضي، لكنها حافظت على عضويتها في مجلس إدارتها. ولاحقا فتحت جبهة جديدة في النضال من أجل الحفاظ على الطبيعة: مشروع للسياحة الصديقة للبيئة. ومؤخّرا، قدم طلاّب من الولايات المتحدة إلى هنا، وقاموا بجرد لما لا يقل عن 70 نوع مختلفا من الطيور في المنطقة. جنة حقيقية. ولكن المشاهد الطبيعية في الأوبرلاند، موطنهم الأصلي، هي أيضا ساحرة. فهل كان قرار الهجرة صائبا؟ "كان القرار الأفضل"، تجيب كريستين من دون أي تردّد. وإلى جانب نعمة الحرية، الزوجان سعداء بتوفّر فرصة لأبنائهم لكي يكبروا في أحضان الطبيعة، وفي ظل الإحترام.سويسرا، حاضرة بإستمرارالمنزل، والاسرة، والزراعة، والإنخراط في الدفاع عن البيئة: كل هذا يكفي لجعل حياة هؤلاء مفعمة بالنشاط. ولكن البلد الذي وُلدوا فيه لم يغب يوما عن أذهانهم. والآن، يعيش ابنتاهما في سويسرا، في حين يزورها الزوجان بانتظام. وفي الباراغواي، يشارك هانس وكريستين في أنشطة مواطنيهم المقيمين في الخارج، وعملت كريستين لمدّة خمس سنوات كمتطوّعة، من أجل أن يواصل المتقاعدون السويسريون في تلك المنطقة الحصول على معاشهم.وبعد ما يقرب من 40 عاما عن رحيلها عن بلدها، كيف ترى كريستين سويسرا اليوم؟ "حدث تغيير جذري. سويسرا لم تعد كما هي في ذاكرتنا. لقد عمل والدانا على مدى سنوات مع الأجانب كانت لهم حقوقهم، ولم يسعوا إلى فرض ثقافتهم. اليوم يبدو أن الوضع قد تغيّر، وأخشى أن تفقد سويسرا هويتها".وبماذا توصي أولئك الذين يتطلّعون إلى مغادرة سويسرا؟ تجيب: "أن يزوروا البلد الذي يختارون، قبل أن يتخذوا قرارا نهائيا، وأن يعيشوا هناك على الأقل ثلاثة أشهر. هناك أشخاص يشحنون أمتعتهم مسبقا، وينفقون كل مدخراتهم، ولكنهم يدركون بعد ان يفوت الأوان أن القدر الذي اختاروه لا يتوافق مع ما كانوا يتصوّرون".رغم حماسة الشباب، في ذلك الوقت لم تأخذ أسرة هوستيتلر معها كل ما كانت تملكه في سويسرا. أثاث منزلهم على سبيل الذكر، والذي ظلّ لسنوات طويلة في بلدة روشيغ. وفي الواقع، الجزء الأخير من ذلك الأثاث لم يصل إلى وطنهم الجديد إلا منذ فترة قصيرة. لذلك هم هاجروا فعلا، لكنهم لم يحرقوا سفن العودة.
برونو مانسر
برونو مانسرالثمن الباهظ من أجل العودة إلى البساطةرودي سوتر (النص)، صندوق يرونو مانسر (الصور)
برونو مانسر ضحية في ماليزيا
برونو مانسر ضحية في ماليزيا
لا، إنه يريد أن يظل هنا، مرافقا لهؤلاء الناس البسطاء الودودين، كان يريد أن يعاني أو أن يفرح معهم وأن يسعد بالأدغال التي تمنح الحياة. كل هذا برغم حنينه الكامن للوطن، والذي لم تكن تثيره فيه سويسرا وإنما ذكريات أسرته وكل أصدقائه. ألم في النفس جعله يكتب رسائل باستمرار إلى أهله ويرسل لهم تسجيلات صوتية، إلا أن هذا لم يكن أبداً ليُرغمه على ترك أسرته الجديدة في الغابة الإستوائية طواعية. نعم، لقد وصل! وصل إلى الجنة التي تصورها هكذا. وما كان هناك شيء ليستطيع إجباره على المغادرة أبداً.
لقد أصبح بالنسبة لشعب البينان واحداً منهم، وبلغتهم "لاكي بينان". فقد أصبح يعرف الآن الحياة البرية، ويصطاد الأسماك بشبكة الصيد الطراحة، أو بقصبة النفخ والسهام المسمومة والحراب والبنادق البدائية، ويصطاد الدببة والقردة والخنازير البرية والأيائل والطيور. كان يجمع ثمار الغابة، ويصنع من لب النخيل البرية طحين الساغو. لقد تعلم اللغة، ودوّن ملاحظاته، وأعد وثائق لا حصر لها حول البشر والحيوانات والنباتات. وفعل ذلك، ربما لأنه كان يتنبأ بتدمير هذه البيئة الشجرية الهائلة بمياهها الصافية وبثرائها البري والنباتي.
معرض الصورناشط نذر حياته للدفاع عن الغابات الإستوائية
(الصور: صندوق برونو مانسر)
حول نفس الموضوع
فرنسا وألمانيا وجهتان مُفضّلتان لمن يُغادر سويسرا
استمر عدد المغتربين السويسريين في الإرتفاع حيث يعيش عُشر مواطني الكنفدرالية تقريبا خارج البلاد. الجزء الأكبر يُقيم في أوروبا وخاصة في فرنسا وألمانيا، البلدان اللذان يُسجّلان أكبر عدد من الوافدين السويسريين.
"لا يوجد بلد العيش أسهل فيه من سويسرا"!
احتلت سويسرا، وفق مسح دولي ينجز كل عام، المرتبة الثماني والثلاثين في قائمة أفضل البلدان لعيش المهاجرين. وقد حصدت سويسرا ست نقاط مقارنة بالعام الماضي، لكن الوضع لا يزال مقلقاً.
لاعب الهوكي المصري الذي أصبح مُدربًا لمنتخب الناشئين في سويسرا
في ظاهر الأمر، لا يزيد الأمر عن قصة حب عادية بين شاب مصري وطالبة سويسرية نقلت محمد الطناحي من بورسعيد إلى جنيف ليؤسس أسرة وينخرط في الحياة العملية ويُمارس هوايته الرياضية في سويسرا، لكن تفاصيل الحكاية تروي في حقيقة الأمر مسار شاب عرف كيف يُواجه صعوبات الحياة وخيباتها لينطلق مجددا مستفيدا من الفرص المتاحة ومجتهدا في تطوير قدراته والإرتقاء بمستوى كفاءته لينخرط بكل ثقة في الأوساط المهنية والرياضية السويسرية التي لا مجال للتهاون أو التراخي فيها.
تجربة فنانة وناشطة سورية بين لبنان وسويسرا
ميسا بله شاهدة على معاناة اللاجئات السوريات في لبنان وفنّانة تعبّر من خلال لوحاتها عن هذه المعاناة ولاجئة مقيمة منذ 3 سنوات في سويسرا. ما وضع نساء سوريا كلاجئات من وجهة نظر إحداهن. عملت بله مع منظّمات عدّة وساعدت اللاجئات السوريات من خلال تقديم العون وتأمين الحماية والمرافقة في مسيرتهنّ في لبنان. ومن ثمّ انتقلت لطلب اللجوء في سويسرا، حيث تقيم الآن. ماذا حدث بين سوريا ولبنان وسويسرا؟
ما بين الأعلام السويسرية والمظلات
تدفق العشرات من السويسريين المقيمين في الخارج على ساحة القصر الفدرالي وسط العاصمة برن يوم الجمعة 5 أغسطس 2016 بمناسبة الإحتفال بمرور قرن كامل على تأسيس المنظمة المعنية بالدفاع عن حقوقهم.