يُعتبر القنب أو الحشيش أو الماريجوانا – وهي مادة تتسم بالنقاء، ويُتحرَّز في وصفها أو تعاطيها، "من أعظم ما بين أيدينا من العقاقير". ففي مقالة حررها عام 1890، أشاد الطبيب الإنجليزي، السير جون راسل رينولدز، بما لهذا النبات القادم من الهند من خصائص علاجية، حيث كان كثيرا ما يصف منقوعه كوصفة علاجية لأشهر مرضاه وهي الملكة فيكتوريا. ونظرا لما للقُنّب من تأثير على العقل أدرجت، بعد أكثر من قرن من الزمان، على قائمة المواد المحظورة، فهي بالنسبة للبعض نوع من المخدرات الخطيرة والمبيدة، وهي بالنسبة للبعض الآخر، علاج لا نظير له في عالم الصيدلة. وقد عاد الأطباء اليوم إلى استخدامه في علاج الأمراض الخطيرة والآلام المزمنة. وفي سويسرا، يتزايد عدد الأطباء والمرضى الذين يلجئون إلى استخدام القنب أو مادة "تتراهيدروكانابينول"، التي تمثل العنصر الفعّال في النبات. هذه الإنطلاقة الجديدة، ترويها swissinfo.ch عبر حكايات عن أربع شخصيات ذات صلة بالحدث وهم: مزارع وصيدلي وطبيب ومريض، من أجل تسليط الضوء على حقيقة وأبعاد استخدام إحدى أكثر النباتات العلاجية إثارة للجدل في تاريخ الطب البشري.
"نستطيع القول بأننا في شرق سويسرا، بالقرب من بحيرة كونستانس، لا أكثر"، فماركوس لودي، ليس لديه ما يُخفيه، وليس خائفا من الأمن، لكنه مع ذلك، يفضل إبقاء الأمر طي الكتمان، ومع أن طول نبات القنّب يصل إلى نحو مترين، إلا أن هذا الخبير الكيميائي الشغوف بالنباتات يتحاشى إثارة انتباه الفضوليين.
ما يدريك، لعلّ أحدا من الذين يتعاطون الحشيش تساوره نفسه، كما يقول، ويضيف: "لكنه، سيُصاب هنا بخيبة أمل"، فالنباتات تحتوي على نسبة تعادل 5٪ فقط من مادة تتراهيدروكانابينول (العنصر الفعّال في نبات القنب)، "وهذه النسبة قليلة جدا بالنسبة لأولئك الذين ينشدون النشوة من تعاطيهم للماريجوانا"، وفق قول ماركوس لودي، الذي رحّب بنا في مزرعته.
نحن متواجدون في أرض تابعة لشركة تهتم بالبحث والتطوير في مجال المواد النباتية. وهنا، على مقربة من الطريق الرئيسي ومن المخيمات المطلة على البحيرة، استأجر ماركوس لودي قطعة أرض ليزرع فيها الحشيش، وسط حقول الذرة والبطاطا، فهو، كما يقول، حريص على الزراعة في الهواء الطلق، ومن دون استخدام لأسمدة ولا لمُبيدات.
بعد أن مررنا عبر السياج الحديدي، وإذا بنحو 200 نبتة قنّب، محمية بغطاء من البلاستيك، قد بلغت النضوج، وبالتالي أضحى ماركوس لودي، بمئزره الأبيض وقفازاته المطاطية، مستعدا لموسم الحصاد السنوي.
تلك النباتات ليست سوى نتاج لما تمخّضت عنه سلسلة طويلة من تجارب الفرز والإختيار، كما أوعز ماركوس لودي، موضحا بأن المغزى ليس في نسبة تركيز مادة تتراهيدروكانابينول بقدر ما هو في العلاقة بينها وبين عنصر فعّال آخر موجود في القنب، ألا هو الكانابيديول: "إن تتراهيدروكانابينول مادة مستخدمة في الطب، لكنها أيضا مخدّر، أما وظيفة الكانابيديول فهي تخفيف تأثيرها على الأعصاب".
ماركوس لودي تحدث أيضا عن ردود الفعل حول قراره زراعة نوع من النباتات المحظورة، فقال: "قال لي الجميع بأن المشروع لن ينجح"، إلا أنه كان مقتنعا منذ أواخر التسعينات، حين كان يعمل لدى مصنع للمستخلصات النباتية، بالقدرات العلاجية والجدوى الإقتصادية لنبات القنب.
للتذكير، كان نبات القنّب يشهد حينها ما يُشبه "الطفرة" مع وجود مؤشرات جديدة في مجال الطب، ويقول: "كنت أعتقد بأن القانون سوف يتغير عمّا قريب، لكنّي صبرت أكثر من عشر سنوات"، ثم حدث التغيير في عام 2008، عندما وافق الناخبون السويسريون على الإستخدام الطبي لنبات القنب. وفي عام 2011 فقط، أي عندما دخل التشريع الجديد حيز التنفيذ، حصل ماركوس لودي على الرخصة الوحيدة في سويسرا لإنتاج وبيع صبغة (منقوع) القنب.
يحظر القانون السويسري زراعة واستهلاك وتجارة نبات القنّب إذا كانت نسبة تتراهيدروكانابينول فيه أعلى من 1٪، لأنه عندئذ، سيُعتبر من جنس المخدرات، ويتطلّب استخدامه استصدار إذن خاص.
في عام 2008، رفض الناخبون السويسريون (بنسبة 63٪) المبادرة القاضية بتجريم الحشيش، وفي نفس التصويت، وافقوا على القانون الفدرالي الجديد بشأن المخدرات، الذي يسمح باستخدام مقيّد ومحدود لنبات القنب في الأغراض الطبية (بينما كان قبل ذلك محصورا بالأغراض البحثية).
من المفروض، بحسب الحكومة السويسرية والأغلبية البرلمانية، أن يكون هناك مشروع تجريبي يُتيح دراسة جدوى ترخيص أنواع من العقاقير المعتمِدة على القنّب.
تسمح القوانين في العديد من الدول الأوروبية (منها ألمانيا وإيطاليا وإسبانيا والبرتغال وبريطانيا) وفي أمريكا اللاتينية وفي 23 ولاية أمريكية، بالإستخدام الطبي لنبات القنّب، بينما تحظره معظم البلدان الآسيوية والأفريقية.
وفي ساعة العصر، كان قد قارب المحصول على استيفاء جنيه، وبدت على ماركوس لودي علامات البهجة والسرور، فقد حوى المخزن ما يقرب من قنطار ونصف القنطار من نبات الماريجوانا، الذي فاحت رائحته النفاذة فملأت الأجواء وتخللت الملابس، وفي انتظار أن يتم تجفيفه ليُنقل بعدها إلى مختبر في بورغدورف (قرب برن) لاستخلاص المواد الفعّالة منه، في عملية سهلة وميسّرة، كما يقول الكيميائي مضيفا: "ويمكن القيام بالعملية في المنزل".
يُعتبر ماركوس لُودي الكيميائي الوحيد الذي يُنتج في سويسرا صبغة طبيعية مُستخرجة من نبات القِنّب. وفي مختبره الكائن في بورغدورف (كانتون برن)، شرح لنا كيف يقوم بتحويل أزهار القِنّب إلى دواء في شكل قطرات يُباع لاحقا في الصيدليات.
ماركوس لودي، لديه ترخيص استثنائي صادر عن المكتب الفدرالي للصحة العامة، ويُشترَط على المرافق التي لها علاقة بالتعامل مع نبات القنب أن تتوفر لديها كافة معايير الأمان والقدرة على إحكام الرقابة على كل ما يُنتَج، وهذا أمر معقول، كما يقول الصيدلي، لكنه يهز رأسه بينما يتحدث عن الإجراءات البيروقراطية، فيما يتعلق بزراعة النبات الأم، أو إنشاء مزرعة جديدة، أو التخلص من بقايا النباتات بعد جمع المحصول ...، ذلك أنه "ما من مرحلة من مراحل الإنتاج إلا وتحتاج إلى تقديم طلب خاص بها"، وفق ما أشار ماركوس لودي متأسفا.
لكنه يعترف، في الوقت نفسه، بأن الإلزام بالحصول على تصاريح يشكّل حماية من أولئك الذين يريدون عمل نفس المشروع، ويقول عن نفسه بأنه قام بمشروع نبات القنب من منطلق نظرة "مثالية": "كون النبات تتعلّق عليه آمال الكثير من المصابين بأمراض خطيرة". ويأمل، وهو ابن الستين ربيعا، في أن يتمكن من استرداد استثماره، خصوصا وأنه تمكن ولأول مرة في عام 2015 من أن يعتمد بشكل كامل على مدخوله من زراعة القنّب. أما قيمة المدخول الذي نتحدّث عنه؟ يجيب مُطبقا على أسنانه: "بضع مئات الآلاف من الفرنكات سنويا"، ويضيف متعجلا: "زراعة الحشيش لا تجعلك غنيا".
هناك حركة بادية في المحل الذي كان مُخصّصا سابقا للدراجات الهوائية. فكما هي العادة، يعكف مانفريد فانكهاوزر ومساعدوه بعد ظهر كل يوم على إعداد الإرساليات، لاسيما وأن مكتب البريد يُغلق أبوابه بعد نحو ساعتين، ولا مجال عندهم لتضييع الوقت.
هناك على الرف، أربع وعشرون علبة من العقار المستخلص من القنب مُخصصة لمثل عددها من المرضى في جميع أنحاء سويسرا، وغالبيتها تحتوي على محلول تتراهيدروكانابينول والدرونابينول، ويقوم مانفريد فانكهاوزر بتحضيرها بنفسه في صيدليته الواقعة في بلدة "لانغناو ام ايمنتال" (كانتون برن)، وهناك أيضا الأصباغ الطبيعية، التي يملكها ماركوس لودي وشريكه.
ويعتبر عقار القنب علاجا فعالا ضد الغثيان والقيء لدى المرضى الذين يتلقون علاجا كيميائيا، وحافزا للشهية لدى مرضى الإيدز، ومخففا للتشنجات العضلية الناتجة عن التصلب المتعدد، ويوضح ماركوس لودي قائلا: "يقصدني المرضى حينما لا تنفع معهم الأدوية الأخرى".
في عام 2007، عندما بدأ العمل في الحشيش، كان لديه خمسة مرضى، وقد وصلوا اليوم إلى حوالي 600 مريض، ومع كثرة الطلبات الأسبوعية المستجدة، قام مانفريد فانكهاوزر بتوظيف إحدى الفتيات للرد على المكالمات الهاتفية، وقد قام بتحويل قبو المنزل الذي يسكن فيه مع عائلته، والذي كان يُستخدم مخزنا للدراجات الهوائية، إلى "مكتب لتجارة القنب"، تحرسه كاميرات الرقابة وأجهزة الإنذار، ويُحتفظ فيه بالمادة الخام من تتراهيدروكانابينول في أنابيب زجاجية داخل الخزينة.
كان مانفريد فانكهاوزر، 52 عاما، الصيدلي الأول في سويسرا الذي أوصل نبات القنّب إلى رفوف الصيدليات. ويقول الرجل الذي يُشرف على دورة ينظمها في المعهد التقني الفدرالي العالي في زيورخ، تُعنى بتاريخ الصيدلة: "إن المميزات العلاجية لنبات (القنب ساتيفا) Cannabis sativa معروفة منذ آلاف السنين".
بين عامي 1850 و 1950، كان يُوجد في سويسرا، وفي غيرها من الدول الصناعية، أكثر من مائة صنف من الأدوية المستخرجة من نبات القنب، منها، على سبيل المثال، ما يُستخدم كعلاج للصداع النصفي أو السعال الديكي أو الربو أو كمُنوّم. حينها، "كان يُمكن لأيّ صيدلي أن يبيع القنب بسهولة، إلى حد ما".
غير أن الصعوبات في توفير النبات (كان يُزرع في الهند) في نهاية الحرب العالمية الثانية، وظهور الأدوية الكيميائية الأكثر فاعلية واستقرارا، والشيطنة المتزايدة للماريجوانا والتي بلغت ذروتها في الستينات بفرض حظر دولي، وضعت حدا لاستخدام القنّب. وفي هذا الصدد، أشار مانفريد فانكهاوزر إلى أن "القانون السويسري، كان يحظر الإستخدام الطبي لكل ما هو مُستخرج من القنب"
في المقابل، أشار أيضا إلى أنه لم يكن هناك أي حظر على أي صنف من أصناف القنب الصناعي، وهو ما شكّل ثغرة قانونية، مكّنته، في عام 2007، من الحصول على ترخيص لكي يستورد من ألمانيا مادة تتراهيدروكانابينول المستخرجة من قشر الليمون.
ومع ذلك، فقد أراد مانفريد فانكهاوزر، المنحدر من أبوين مُزارعيْن، أن يستغل الإمكانات الكامنة في نبتة القنب "التي لا مثيل لها في عالم النبات". وتقوم فكرته على أساس استخراج محلول طبيعي مُصَنّع في سويسرا، وهذا المحلول هو ذاته صبغة القنب، التي كانت في زمن الملكة فيكتوريا، وهي تختلف تماما عن مركب الدرونابينول، لأنها لا تحتوي على مادة التتراهيدروكانابينول فحسب، وإنما على كل مكونات القنّب النشطة.
لقد كان تزامن اللقاء بين ماركوس لودي وانطلاق العمل بقانون المخدرات الجديد في يوليو 2011، مناسبة لبداية نجاح غير متوقع.
الملصق الإشهاري لشريط "حصاد الشيطان" (Devil's Harvest)، الذي أنتج عام 1942 في الولايات المتحدة ويُشيطن استهلاك القنب
منذ ذلك الحين، وهو يُلقّب في منطقته بـ "صيدلي القنب"، كما ذكر ذلك مغتبطا. وفي صيدليته في لانغناو - وهي صيدلية عادية في وسط البلدة – يتم تغليف معظم أدوية القنب التي تُوزّع في سويسرا.
ويشدّد على أن المرضى هم الدافع الوحيد له، ويقول: "عندما يتم الإستماع إلى المرضى يُدرك المرء عِظَم معاناتهم"، وذكر على سبيل المثال حالة طفل كان يعاني مرضا خطيرا قائلا: "كانت تنتابه تشنجات عنيفة وكان دائم الصراخ من الألم، لدرجة أن والديه فقدا الأمل. نعم لم يبرأ بواسطة القنّب، لكن التشنجات قلّت بشكل ملحوظ".
لا يُنكر مانفريد فانكهاوزر أن تجارة القنب مُربحة، وهي اليوم تمثلّ 20٪ من حجم مبيعاته، وبمجرد أن تنظر إلى أسعار الأدوية، تدرك السبب، فأصغر زجاجة من الدرونابينولتباع تباع بسعر 220 فرنك، أي أن ثمن النقطة الواحدة من هذا الدواء أكثر من فرنك.
ويُقر الصيدلي بأن السعر مرتفع، ويضيف أن "المسألة متعلّقة، في المقام الأول، بالعرض والطلب، كما تعتبر أدوية القنب بأنها منتجات خاصة"، بيد أن هذه الخصوصية آخذة في التراجع، بسبب تزايد المنافسة من داخل سويسرا ومن خارجها، وبسبب ظهور مستحضرات جديدة في الأسواق، من مستوى بخاخ الفم إلى زيت القنب.
ويَلْفت مانفريد فانكهاوزر إلى أن عملية تحضير دواء من القنب ليست بسيطة، فتكاليف التحاليل المختبرية ومراقبة الجودة واستقرار المنتج مرتفعة، كما أن مادة تتراهيدروكانابينول، اللازمة لإنتاج الدرونابينول، باهظة السعر، ويصل سعر الغرام الواحد منها إلى 1700 فرنك، وناهيك عن تكاليف الإجراءات الإدارية وتجديدات التصاريح كل ثلاثة أشهر، هي أيضا كبيرة، بالرغم من وجود انفتاح تدريجي، إلا أن شيطنة القنب لا تزال تقف حجر عثرة.
ويدرك مانفريد فانكهاوزر بأنه لا يمكنه التهاون في شأن أدويته، ولا يمكن له أن يُعفى من أي خطأ في المعايير ولا في الطلبيات، وتراه لاهثا ذهابا وإيابا لتأكيد صحة وسلامة استخداماته للقنب أمام الدوائر السياسية المحلية والسلطات الصحية، ويتنهّد موضحا بأن مكمن الصعوبة في تجاوز الحظر المفروض على المخدرات، من خلال التمييز الواضح بين الإستخدام للنشوة والإستخدام لأغراض طبية.
يصرّح بملء فمه، ودون أن يُساوره أي شك قائلا: "إن القنّب هو علاج". إنه الدكتور كلود فاني، رئيس قسم الأعصاب في مشفى كران مونتانا في كانتون فالي، الذي يُشير أيضا إلى أن الماريجوانا على العكس تماما من المورفين فهي لا تتسبب في الإدمان وليس لها جرعة قاتلة، وبعض الأدوية المنومة يُمكن أن تسبّب الوفاة إن أخذَت بجرعات كبيرة، وليس ذلك في القنّب.
بالمناسبة، يذكر طبيب الأعصاب بأن الفضل يعود إلى أحد مرضاه في اكتشافه للقنّب قبل عشرين عاما: "كان يقول لي بأنه يدخّن الماريجوانا من أجل تخفيف آلام مفاصله"، الأمر الذي أثار فضوله، فتمكّن من الحصول على مساعدات مالية من الحكومة الفدرالية لدراسة آثار القنب (كبسولات تُتناول بواسطة الفم) على مرضى تصلب العضلات المتعدد. وجاءت نتائج هذه الدراسة، الأولى من نوعها في سويسرا وواحدة من بين قلة من الدراسات المشابهة في العالم، لتؤكد فرضيته. ويشرح كلود فاني أن "درجة التشنج الموضوعية، أو القابلة للقياس، لم تتغيّر، بينما تتغير تلك المُدرَكة بالإحساس، حيث قال المرضى بأنهم شعروا بتحسّن وأن خلودهم إلى النوم أصبح أيسر".
تجدر الإشارة إلى أن الذين يترددون على عيادة رئيس قسم الأعصاب (63 عاما)، ليسوا فقط من بين مرضى التصلب المتعدد، هذا المرض العضال الذي يُصيب حوالي 8000 شخص في سويسرا، وإنما هناك أيضا أشخاص يعانون من اضطرابات في النخاع الشوكي (بسبب حوادث)، أو من متلازمة الألم العضلي الليفي المعروف باسم فيبروميالغيا أو من الصداع النصفي الحاد، ويقول فاني: "أنصحهم بالبدء بأخذ جرعات صغيرة، وليكن في حضور أشخاص آخرين، ثم يروا ما يحدث، وأنا بدوري أؤكد بأن الحشيش يخفف الألم، ولكن لا يُعالج من المرض".
ويُصر الطبيب، المولود في لوزان، على ضرورة تبديد الأوهام، وأن يكون واضحا بأن القنب ليس علاجا سحريا ولكل شيء، وقد أثبتت التجارب التي قام بها بأن العلاج بالماريجوانا مفيد في 30-40٪ من الحالات، ويقول مستدركا: "غير أن تأثيره البعيد المدى غير معروف"، وقد تُفضي المعرفة المتزايدة، حول أثر مستقبلات تتراهيدروكانابينول وغيرها من المركبات المستخرجة من القنب على جسم الإنسان، إلى كشف إمكانات علاجية خارج حدود توقعاتنا، على حدّ قول فاني.
ومن جانب آخر، أمضى الأستاذ رودولف برينايزن ما يقرب من ثلاثة عقود في دراسة النباتات ذات التأثير على الجهاز العصبي وكذلك المواد الفعّالة المستخرجة من القنب، وقد توصل إلى نتيجة مفادها أن نبات القنب لا يزال لديه الكثير من العطاء وأنه "لا يُوجد فيما نعلم نبات آخر له نفس القدرات"، حسبما أفاد الرجل الذي يترأس حاليا فريق العمل السويسري لتطبيقات أنواع القنّب في مجال الطب، والمستشار السابق لمختبر الأمم المتحدة للمخدرات.
وكما هو شأن المزارع والصيدلي، يحتاج الدكتور كلود فاني أيضا للحصول على تصريح خاص من المكتب الفدرالي للصحة العمومية. ومن الناحية القانونية، فإنه يتحمل المسؤولية الكاملة عن أي وصفة طبية تصدر عنه وتتضمّن مستحضرات القنب.
ومع أن الأطباء الذين يصفون عقاقير القنب لمرضاهم في تزايد (بلغ عددهم 350 طبيبا خلال الأشهر الخمسة الأولى من عام 2015 مقارنة بـ 250 طبيبا لنفس الفترة من عام 2014)، إلا أنهم يظلون "أقلية"، وفق تعبير غيرت برينتسن، عضو اللجنة المركزية لنقابة أطباء سويسرا، الذي كتب في إجابته على أسئلة swissinfo.ch أنه لا يُوجد من يشكك في جدوى القنب في بعض الوصفات الطبية، وأنهم يتوفرون على منشورات علمية متميزة تتحدّث حول الموضوع.
كلود فاني أشار أيضا إلى أن التحفظ يصدر في معظم الأحيان عن الرأي العام والوسط السياسي، ولا يدور حديث حول استخدام القنب لأغراض علاجية إلا ويكون العنصر السياسي حاضرا، وقد أعرب فاني عن أمله في أن يتحقق الفصل بين الأدوية والمخدرات.
هذا الفصل، لا يبدو في نظر أندريا غاسبولر، الشرطية والنائب في البرلمان عن حزب الشعب السويسري (يمين شعبوي)، بذاك الوضوح. وحسب رأيها، فإن القنب "يبقى نوعا من المخدرات ومخاطر الإفراط في تعاطيه مرتفعة، كما أن تعميم توزيع الأدوية ما هي إلا خطوة باتجاه التقنين".
في المقابل، أصرّ الدكتور كلود فاني على اعتبار القنّب ذا مزايا علاجية جديرة بالإهتمام، ولَفَتَ إلى أن المرضى لا ينشدون من تعاطيه الهلوسة وإنما مجرد الإسترخاء والشعور بالإنتعاش.
مونيكا كويلا، لديها أوجاع في كل مكان من جسدها، في الظهر والرقبة والمفاصل والبطن، وقد تمّ بتر جزء من أمعائها وزراعة جهاز تحت الجلد وظيفته تنبيه الأعصاب وإرسال نبضات كهربائية باستمرار إلى الدماغ، وبالرغم من خضوعها لأربعين عملية جراحية والعديد من الفحوص والتحاليل، إلا أن هذه السيدة، البالغة من العمر 58 سنة، لا تعرف اسما لمرضها.
لقد عجز الأطباء عن تشخيص مرضها، بحسب ما قالت لنا في شقتها في برن، والشيء الوحيد المؤكد هو وجود آلام مزمنة صار لها أكثر من ثلاثين عاما.
تُعاني مونيكا كويلا (58 عاما) من آلام مزمنة لا تغادرها منذ عشرات السنين. لقد قلب المرضُ حياتها اليومية رأسا على عقب. ومن أجل فهم ما الذي يعنيه التعايش مع مرض لا علاج له، تابعتها كاميرا swissinfo.ch لبضع ساعات.
لقد جرّبت كل شيء من أجل تسكين آلامها، بدءا من المسكنات، وبجرعات متزايدة باستمرار، إلى الأفيون والعلاجات التجريبية، ولكن بلا فائدة، وبين لحظة وأخرى، تعود إلى الإنتكاس ويزداد فرطها نتيجة للأعراض الجانبية التي تظهر عليها.
وفي يوم من الأيام، أرتها صديقتها كتيبا: "كان يتحدث عن دواء من القنب، وهو الدرونابينول، وشعرتُ بأهميته فأحببتُ أن أجربه"، وبعد مرور ثلاث سنوات، لا يزال عقار القنب بالنسبة لها "شريان حياة"، كما تقول، ولا تزال تتناول عقارا مركبا من سبعة أدوية بشكل يومي، ولا تستطيع أن تفارقه، إلا أنها منذ أن تعرّفت على قطرة مانفريد فانكهاوزر (الصيدلي في لانغناو)، قلّلت من تعاطي المواد الأفيونية والحبوب المنومة.
في العادة، تأخذ اثنتي عشرة قَطَرة عند المساء يوميا، إلا أنها غير كافية، وترغب مونيكا كوييلا في زيادة الجرعة، لا لزيادة التأثير، وإنما رغبة منها في تقسيم مجموع القَطَرات على طول النهار، بحيث تبقى كمية معيّنة من تتراهيدروكانابينول موجودة دوما في الدم.
لكن، النقطة الواحدة من قطرتها باهظة الثمن، فالأنبوبة الزجاجية الواحدة منها تكفي لمدة شهرين ويبلغ سعرها حوالي 900 فرنك، يتحمّلها التأمين الصحي، لكنها تخشى أن يأتي يوم يُوقف فيه التأمين الصحي تسديد قيمة الدواء، لاسيما وأن من حقه أن يفعل ذلك.
ووفقا للمكتب الفدرالي للصحة العمومية، تحظى نحو نصف الطلبات المقدمة إلى التأمين الصحي بقرار إيجابي، لكن ذلك غير كاف من وجهة نظر مارغريت كيسلر، عضو البرلمان عن حزب الخضر الليبراليين ورئيسة الاتحاد السويسري للمرضى، التي ترى ضرورة صرف تكاليف الأدوية الطبيعية المعتمدة على القنّب بشكل آلي وأكثر تيسيرا، وأشارت في التماس تقدمت به إلى البرلمان إلى أن إجراءات الترخيص معقدة وأسعار الأدوية مرتفعة جدا، وبسبب النظام الحالي، كما تقول، فإن كثيرا من المرضى الذين يعانون من آلام مزمنة يفضلون اللجوء إلى أساليب علاجية غير قانونية. وفي أوائل شهر يونيو 2015، وافقت الغالبية العظمى من نواب البرلمان الفدرالي على الإلتماس الذي قدمته، وقالت الحكومة بالمناسبة إنها تؤيّد القيام بدراسة: "لتوضيح المسائل العلمية والمنهجية والقانونية لاستخدام زهور القنب".
في الأثناء، تفضّل مونيكا كوييلا أن تحسب قطراتها بدقة، وفي بعض الأحيان، حتى الدرونابينول، لا يكون له تأثير، لكن، يستحيل بالنسبة لها العيش من دون زجاجة دوائها "المعجزة": "لقد أعادت لي جُزءا من حياتي"، تقول.
على أن اعتبار القنب على أنه "أسبرين القرن الحادي والعشرين"، كما يفعل البعض، فيه إفراط، حسب قول مانفريد فانكهاوزر، الذي يُضيف: "تقريبا، في جميع الوصفات التي يُستَخدَم فيها، هناك أدوية أخرى تصلح أيضا"، مع ذلك، يأمل الصيدلي بأن يكون القنّب في متناول المرضى، بمجرد أن يرى الطبيب فيه المصلحة، لا أن يبقى كملاذ أخير. إنها مسألة وقت، يقول البروفيسور رودولف برينايزن، وسيعود القنّب بشكل نهائي إلى الصيدليات، إذ "يكفي مجرد مشاهدة ما يحصل في العديد من الولايات الأمريكية وفي أوروغواي"، ويُبدي الدكتور كلود فاني تفاؤله حيث يتوقع بأن يكون استخدام الماريجوانا في غضون 5-10 سنوات منتشرا في سويسرا، ويخلص إلى أن "حرية بيع الحشيش لأغراض علاجية يمكن أن تساهم في عيش أفضل".